هذا مقتطف صغير من كتاب صدر بعنوان ( ربع قرن برفقة كمال جنبلاط )
لمحسن دلول .
*****
" مع الملك فيصل: جرأة وشجاعة
تعود بي الذاكرة إلى تلك المقابلة الرائعة مع المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز، وكان ذلك بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 ، حيث كنا قد تلقينا دعوة بواسطة الأمير عبد الله بن عبد العزيز كما ذكرت سابقاً.
عندما اجتمعنا مع الملك فيصل وكنت برفقة كمال جنبلاط، بدأ الملك حديثه بالشكوى من تلكؤ الاتحاد السوفياتي في تزويد العرب بأسلحة حديثة ومتطورة، الأمر الذي يمنعنا من تحقيق انتصار كامل على إسرائيل.
وانتقد الملك سياسة الاتحاد السوفياتي بشكل عنيف، وكذلك الأحزاب العربية التي تتعاون معه.
كان مستشارو الملك الحاضرون في الاجتماع يعلقون بالمديح والثناء على ما يقوله جلالته.
هنا أخذ كمال جنبلاط الكلام وسأل الملك: «ما رأيك يا جلالة الملك بمن يزودنا بسلاح غير متطور وآخر يزود عدونا بأحدث الأسلحة، وإذ بنا ننتقد الذي لم يزودنا بما يكفي من السلاح ونؤيد من أعطى السلاح لعدونا؟!!».
وما أن أنهى كمال جنبلاط حديثه حتى انتفض الملك، وتوقع الحاضرون أن تحصل مشكلة على أثر ذلك. إلا أن الملك قال لجنبلاط «وماذا بعد؟»
قال له جنبلاط: إسمح لي يا جلالة الملك أنا أتحدث معكم بمنتهى الصراحة: إن حجم المملكة السياسي يجب أن يكون بحجمها المعنوي والمادي وأكثر، ولكن للأسف هذا الحجم لم يوظف كما يجب في قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، فقد أخطأتم عندما وضعتم أنفسكم من حيث أردتم أو من حيث لا تريدون في صف الغرب، وفي نفس الوقت أنتم على قطيعة كاملة مع دول أوروبا الشرقية، لماذا؟ لا أعرف، تابع جنبلاط يقول، فلو كنتم على صلة مع هذه الدول، ولو من خلال ممثليات تجارية أو مراكز قنصلية، لكان دوركم أكبر وزناً وأكثر تأثيراً في الغرب. فالغرب اليوم مرتاح لموقفكم لأنكم لا تعترفون بالاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى، وانطلاقاً من ذلك يتصرف الغرب على أساس أنكم لا تستطيعون التخلي عن التعاون معه،
قال الملك لجنبلاط رداً على مداخلته: «إذا اعترفنا نحن بالاتحاد السوفياتي هل يتراجعون هم عن الإلحاد؟»
قال له جنبلاط: «يا جلالة الملك هذه قضية لا علاقة لنا بها، الإلحاد أو الإيمان قضية تخصُّ الفرد، وليس بمقدورنا، كما أنه ليس مطلوبا منا أن نفرض على الشعوب أو الأمم نظرتنا لعلاقتها بالخالق أو بالكون، ونحن نتحدث عن مصالح حيوية لشعوب وأمم، نتحدث عن مصيرنا.
أنا أعتقد أن المملكة العربية السعودية بما تمثله من رمز معنوي وهي تحتضن الكعبة في مكة المكرمة، وهي قبلة المسلمين جميعهم، وبما لديكم من إمكانيات مادية كبيرة، أستطيع أن أتعهد لكم بأن نحصل على كلِّ ما نريده من أسلحة متطورة من الاتحاد السوفياتي، وذلك من خلال تقديم قرض بسيط لهم لاستصلاح أراضي سيبيريا وجعلها صالحة لزراعة القمح، عندها سيتحرر الاتحاد السوفياتي من الضغوط الأميركية التي تشتد عليه كلما برزت حاجته لاستيراد هذه المادة الغذائية الأساسية من الولايات المتحدة الأميركية أو من كندا أو من أستراليا.
فأعتقد تابع جنبلاط يقول: أن قرضاً للاتحاد السوفياتي لا يتجاوز عشرة مليارات دولار لمدة خمس سنوات سيمكـّنه من إنتاج ما يكفيه من القمح وسيكون باستطاعتنا ساعتئذ استيراد كل الأسلحة المتطورة عنده وعند دول أوروبا الشرقية. وقد يكون بإمكاننا أيضاً الاتفاق معهم على إنتاج هذه الأسلحة في بلداننا.
ثم قال: وحسب معلوماتي أنه حتى في اتفاقات النفط لديكم مشكلة كبيرة مع الغرب.
قال الملك: ما هي المشكلة؟
قال له جنبلاط: أعرف أن ثلث عائداتكم النفطية يوظف ودائع في الغرب والثلث الثاني يخصص لشراء بضائع وتكنولوجيا من الغرب والثلث الثالث يجري تحويله إلى حساباتكم، هل هذا صحيح؟
قال له الملك: ليس بالدقة ولكن تقريباً وفق هذه الأسس.
فقال جنبلاط: «هذا يعني أن ما يقارب 60% إلى 65% من عائدات النفط تقريباً يبقى بتصرف الغرب؟».
وبينما ساد الوجوم على وجوه الحاضرين جراء هذا الحديث الجادّ، دخل رجال الأمن إلى قاعة الاجتماع وأوقفوا الصحافيين عن تسجيل وقائع الحوار. ووسط ذهول الحاضرين وبالذات المساعدين الرئيسيين للملك الذين لم يتعودوا سماع من يحادث الملك بهذه الصراحة وهذه النبرة ..........
.............
ثم أخذ الملك الحديث وراح ينتقد تقصير الأنظمة العربية في استيعاب طموحات شعوبها وكيف أنها تستخدم العنف والشدة في مواجهتها.
وهنا أفاض جنبلاط في شرح مفهومه للسلطة، وخلص إلى القول: إنه إذا لم تدخل مفاهيم الديمقراطية إلى بنية الأنظمة والمجتمعات العربية فإننا سائرون حتماً إلى المزيد من التردي.
ولما سأله الملك فيصل عن أية ديمقراطية تتحدث؟
أجابه جنبلاط: كما أن الأديان تتلاقى جميعها في جوهر القيم الإنسانية وإن اختلفت في بعض التفاصيل والمقاربات، فإن الديمقراطية مهما تنوعت يبقى جوهرها في التركيز على حرية الإنسان وحرية معتقده وصون مؤسسات الدولة وتنظيم العلاقات فيما بينها وبين أعضاء المجتمع.
علـّق الملك فيصل على حديث جنبلاط بالإيجاب، ثم أشار إلى الأمير عبد الله ودعاه إلى الاقتراب منه، فراح يربت على كتفه ويقول له: أنا أريد أن أشكرك لأنك أتحت لنا فرصة اللقاء بالشيخ كمال جنبلاط، الذي أتحفنا بعمق معرفته وثقافته، وأثار فضولنا بمدى جرأته وصدق مواقفه، وأتمنى عليكم أن تضعوا طائرة خاصة بتصرفه ليتجول في أرجاء المملكة ويتعرف عليها جيداً، وأن توفروا له الإمكانية لزيارة المملكة دائماً وأن تكون العلاقة معه مستمرة ومتطورة ونلتقي به ونستفيد من علمه ومعرفته وثقافته. "
السبت يناير 15, 2011 3:04 am من طرف غسان أبوراس
» هكذا فصولكِ الاربعه
الجمعة ديسمبر 31, 2010 1:22 pm من طرف عاشقة الورد
» كل الشكر للوموي
الأربعاء يوليو 28, 2010 4:06 pm من طرف الوموي
» اتمنى ان اتعرف عليكم
الثلاثاء يوليو 27, 2010 7:01 pm من طرف وسيم ابوكرم
» عاطف دنون الحمدلله على السلامه
الثلاثاء يوليو 27, 2010 6:32 pm من طرف وسيم ابوكرم
» كلمة شكر
الأحد يوليو 11, 2010 1:11 am من طرف ابوعمر
» ايها المغتربون استمتعو حيث انتم
الأربعاء يوليو 07, 2010 7:55 pm من طرف ابو يوسف
» خربشات إمرأة...ا
الخميس يوليو 01, 2010 1:31 am من طرف غسان أبوراس
» سويداء الوطن ... يرى النور
الثلاثاء يونيو 29, 2010 12:01 pm من طرف سيسو
» اعتذار عن خلل فني
السبت يونيو 12, 2010 7:32 pm من طرف الوموي
» هل نستطيع سلق بيضه بالموبايل
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:34 am من طرف الوموي
» صور لا تراها إلاّ في مصر
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:21 am من طرف الوموي
» نطرح للنقاش : ماذا تفعل عندما تشتاق لاشخاص لم يعد لهم وجود في حياتك
الإثنين مايو 31, 2010 9:43 am من طرف عماد أبو لطيف
» عذرا انه حلم
الإثنين مايو 31, 2010 9:30 am من طرف عماد أبو لطيف
» عذب الكلام
الخميس مايو 27, 2010 7:33 am من طرف عنب الجبل
» عمل تخريبي في أحد الأراضي المزروعة تفاح في بقعاثا
الأربعاء مايو 26, 2010 10:44 pm من طرف عفاف
» اخراج ... ابو عجاج
الأربعاء مايو 26, 2010 5:23 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» Q & A
الأربعاء مايو 26, 2010 5:10 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» مني مثل ومنك مثل..
الأربعاء مايو 26, 2010 4:53 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» لنبق متألقين دوماً
الثلاثاء مايو 25, 2010 10:50 am من طرف غسان أبوراس