بين العرف والدين والقانون:
فريدة البنت الكبرى بين أولاد أبي حسين، تجاوزت السبعين عاماً، تعيش اليوم على صدقة المحسنين، بعد أن نسيها أو تناساها أشقاؤها الذكور وأولادهم، حين أخذ كل منهم حصته الوفيرة من ورثة أبيها، ليعيشوا في منازلهم الكبيرة، وتعيش هي في مكان بالكاد يسمى غرفة.
شقاء فريدة واحدة من شقاء الكثيرات في محافظة السويداء، حيث يولد الذكور هناك من طبقة، وتولد الإناث من طبقة أخرى، ليكونوا هم الوارثين الشرعيين للعائلة، أما هن فيوصى لهن بغرفة للمقاطيع، والتي غالباً ما تكون أصغر الغرف وأقدمها. وفي حال كان الأب كريماً يوصي لهن بقبو في الدار، وهو ليس ملك لهن على أية حال بل مسكن مؤقت، حتى يأخذ الله أمانته على الأرض ثم يرجع للعصب الذكر حامل اسم العائلة وحامي شرفها.
هل تذكر أبو حسين فريدة و أخواتها حين كتب وصيته الأخيرة؟
هل كان يعرف ما مصيرهن في الحياة بعد وفاته، وأي قدر سوف ينتهين إليه، عندما أوصى لهن بغرفة للمقاطيع وأوصى لأولاده الذكور بكل ثروته؟
"المقطوعة" كغيرها من نعوت المرأة التي قد تختلف بالمعنى ويبقى المنطق نفسه الذي يدينها ويهمش قدراتها وإمكاناتها، وتعني المرأة التي انقطعت من الرجال إن لم تتزوج أو مطلقة أو أرملة.
حكايات متكررة
سمية امرأة مطلقة في الستين من عمرها من مدينة السويداء تعيش مع أختيها اللتين لم تتزوجا، تقول إن والدهن لم يوص لهن إلا بمسكن للمقاطيع، وهو عبارة عن غرفة ومطبخ صغير في القبو وقد ورث أخوهم الوحيد أراضي عدة، ومنزلا كبيرا بطابقين يعيش فيه مع زوجته وأولاده، وتبقى مضافته مفتوحة يقيم الولائم، ويمارس دوره الذكوري في المجتمع، ناسياً أخواته المسنات اللائي يقطن في أسفل البيت الكبير.
إن معاناة سمية وأختيها لا تقتصر على الحاجة المادية فحسب، بل تتعدى ذلك، ليصبح العوز المادي لا شيء أمام ذلك الغول الذي يسمى الذل، يرافقهن منذ الطفولة إن تزوجن أو بقين في الدار كأنه قدر لا مهرب منه، وكأنهن عبء وعالة على الحياة .
هدى الخمسينية من مدينة شهبا بقيت طوال حياتها بجانب والديها، فبقاؤها دون زواج جعلها ملازمة لهما منذ طفولتها إلى عجزهما، ومن ثم وفاتهما، لم تكن تعلم أن مصيرها سينتهي في غرفة موحشة تحت اسم غرفة للمقاطيع في وصية الأب الأخيرة، الذي وزع كل أملاكه بالتساوي بين أولاده الذكور تاركاً ابنته لإحسان أشقائها وزوجاتهم. تشعر هدى بالذل حين تطلب مصروفها الشخصي من أخوتها الذين ورثوا البيوت والمحلات التجارية والأراضي من والدها. وتقول "لم أفكر يوماً بنفسي، بل عشت لغيري".
الجدير بالذكر أن حالات فريدة وسمية وهدى ليست الحالات الاستثنائية في المحافظة، بل هي الحالة شبه العامة، فلماذا هذا الإجماع الواسع على حرمان المرأة من ميراثها؟ و لماذا لا يتذكرون المرأة في وصاياهم إلا بهذه العبارة المذلة لها؟
من وجهة النظر الدينية يقول الشيخ إبراهيم أبو عسلي أحد شيوخ الطائفة الدرزية " المرأة هي العمود الفقري للكون وهي التي تُجلس المجتمع أو تخلخله وعدم توريث المرأة خطأ فادح وجهل بالدين لأن التعاليم الدينية تدعو إلى العدالة والمساواة بين الرجل المرأة التي هي كرامة العائلة فكيف تحرم من حقوقها المادية لتصبح عرضة للاستغلال والاضطهاد وأنا أدعو جميع الآباء إلى توريث الإناث قبل الذكور ليصونون بناتهم من أي سوء"
فالوصية مقدسة في المذهب وما نحتاج إليه هو المجتمع بالتعاون مع رجال الدين. و يضيف الشيخ إبراهيم "أدعو لجعل نصيب الأنثى كنصيب الذكر بالإرث في القانون السوري وأنا بدأت من نفسي وأورثت بناتي بالتساوي مع أخيهن."
بيت المقاطيع عبارة مهينة لشخصية المرأة و مهامها الحقيقية
يقول الروائي ممدوح عزام "إن عبارة غرفة أو بيت المقاطيع هي عبارة مهينة لشخصية المرأة ودورها في المجتمع ومهامها الحقيقية التي تقوم بها بصرف النظر عن رأي الرجال، هي عبارة ذكورية ترى المرأة ضلعا قاصرا دون أن تنتبه أن هذه المرأة أم أولاً وزوجة شريكة وأخت غالية".
فالأثر السيئ الذي تتركه الوصية التي تحرم البنات أنها تترك المرأة عرضة للإذلال، خاصة أن نسبة كبيرة من النساء لا يعملن، أي ليس لديهن مورد يعشن منه فيما لو حرمن من الزوج (أرملة أو مطلقة) أو إذا بقين بلا زواج.
ويرى عزام أن الوصية تعبير عن مجتمع ظالم يرى في الرزق وحده إرادة إنسانية و يحول هذا الرزق إلى وسيلة لقهر المرأة واضطهادها. فيما يجب أن يكون، في حال توفره، وسيلة لحماية المرأة ما دمنا نتحدث عن امرأة تحتاج إليه في لحظات وحدتها، عجزها، بسبب أن المجتمع حرمها ذات يوم من أن تتعلم و تعمل و تنتج، كي تصبح قادرة على الاستقلال المادي الذي يحميها من أن يتحكم الرجال بوصاياهم المجحفة بعيشها و كرامتها.
الناشطة الاجتماعية باسمة العقباني وهي عضو في رابطة النساء السوريات حدثتنا في البداية عن تجربتها الشخصية كامرأة فقالت: في المحافظة "هناك شعور كان يلازمني دائماً منذ الطفولة، كنت أشعر أنني زائدة في عائلة أهلي وأنني عبء ثقيل عليهم، مع أني كنت أعمل في الحقل مع والدي، أذكر أنني كنت أستيقظ في الثالثة صباحاً لأحصد و"أرجد" ثم أعود بعد يوم شاق في الحقل لأغسل وأنظف المنزل وألبي أوامر أخوتي الذكور بكل طيبة خاطر ورضا و كنت أعتقد أن هذا واجبي اتجاه أسرتي ".
فمعظم نساء المحافظة عشن تجارب مشابهة، وعلى الرغم من مساهمة الإناث في اقتصاد العائلة، إلا أنهن لا يرثن شيئا، فهذا هو العرف السائد في المحافظة، ليصبح الزواج هو الخلاص الوحيد لكل فتاة.
الغريب في الأمر هو هذا التناقض الكبير في معاملة المرأة في ثقافتنا الذكورية التي تعتبرها من جهة ضعيفة وضلعا قاصرا وبحاجة لولي ووصي عليها، ومن جهة أخرى تترك بدون أي حصانة مادية، وهكذا فإن كفة الميزان راجحة دائما لصالح الذكر.
نساء بين الخوف و المواجهة
سميرة 56 عاما امرأة مطلقة تعيش في غرفة مستأجرة في مدينة السويداء، تقول أن والدها توفي وهو شاب ولم يكتب وصيته، وفي هذه الحالة حسب القانون تقسم التركة بين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكنها تنازلت هي وأخواتها عن ميراثهن لأشقائهن خوفاً من نظرة المجتمع لهن والعداوات مع الأهل، وتقول "لا أريد أن أخسر أخوتي من أجل الورثة". ليفرض العرف ضغوطاً عليها يصعب تجاوزها كي لا تعتبر ناشزا عن مجتمعها.
في حين طالبت أم شادي وهي امرأة متزوجة في عقدها السادس بحصتها من تركة والدها الذي رحل دون أن يكتب وصيته، تقول أنها واجهت هي وأخواتها صعوبات عدة، فأشقاؤهن الذكور حاولوا إقناعهن بالتنازل بشتى الطرق، إلا أنهن في النهاية حصلن على حقوقهن بالقانون وتقول " على المرأة أن تعرف أن هذا حقها وليس صدقة من الأهل أو الأخوة".
أما من الناحية القانونية يوضح المحامي نبيل ضو الإرث في المذهب الدرزي، فيقول: هناك حالتان:
أولاً- في حال وجود وصية يؤخذ فيها إذا كانت الوصية ثابتة وصحيحة وتطبق بدقة حتى لو أوصى الموصي بكل أملاكه لبناته، ولكن معظم الوصايا تحرم البنات من الإرث، فقط يوصي لهن بغرفة أو بيت للمقاطيع مع أن هذه الكلمة منافية للنظام العام ولا يقبلها القاضي.
هذا ما يختلف فيه المذهب الدرزي عن الشريعة الإسلامية حيث لا وصية لوارث حسب المادة 307 التي تحدد الأحكام الخاصة بالطائفة الدرزية المختلفة عن الشريعة الإسلامية المتعلقة بأمور الزواج والطلاق والإرث.
المادة 307( فقرة ح- لا يعتبر بالنسبة للطائفة الدرزية ما يخالف حكم : تنفذ الوصية للوارث ولغيره بالثلث وبأكثر منه).
ثانياً- في حال عدم وجود وصية يطبق الشرع الإسلامي (للذكر مثل حظ الأنثيين) وفي هذه الحالة غالباً ما يضغط على المرأة من قبل أخوتها الذكور للتنازل عن حصتها أو إرضائها بالشيء القليل، و يقول ضو "قد يصل الأمر لتهديد المرأة بالقتل من قبل أشقائها الذكور إذا لم تتنازل عن حقها، لا يوجد في قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالمذهب الدرزي ما يحرم المرأة من الإرث وعدم توريث المرأة في المحافظة هو موضوع متعلق بالأعرف والتقاليد خارج عن القانون": فحرمان المرأة من الميراث خارج عن الدين و القانون، وهو مرتبط بالتركيبة التاريخية للمجتمع في ظل السيطرة الذكورية، التي تغيب دور المرأة و وتعاملها على أنها تابعة لأهلها أو لزوجها، و ليس كإنسانة مستقلة لها حقها في الإرث مثلها مثل الذكر.
وجود الجمعيات متعلق بالحريات العامة بالبلد
أبو تيسير ذو السبعين عاماً من قرية الكفر، لم يورث بناته شيئاً سوى غرفة للمقاطيع يقول "البنت حنوني و دايمة لأهلها بس الرزق لازم يروح للعصب حرام يروح للغريب (أي زوج البنت و أولادها) والأرض حرام تروح لعائلات أخرى" ويضيف إذا انقطعت البنت من الرجال لها أخوتها الذكور ليصونوا كرامتها ويعيشوها عيشة كريمة فمن وجهة نظره أنه لا يمكن للمرأة أن تعيش بدون وصي عليها وأن هذه عاداتنا وتقاليدنا، فالعائلات لا تفضل تمزيق الثروة ونقلها إلى أسرة أخرى .
وزوجته أم تيسير تؤيده في الرأي "أولاد ابنك إلك وأولاد بنتك للغريب" و تعتقد أنه لا يجوز للمرأة أن تأخذ من حصص إخوتها فهي لم ترث من عند أهلها ولكن بالمقابل أهل زوجها ورثوا الذكور دون الإناث، وهذا عدل برأيها لأن المرأة تتبع زوجها.
و هناك نسبة كبيرة من النساء في المحافظة تشاركن أم تيسير الرأي و يعتقدن أن ورثة أبيهن ليست من حقهن، فالمرأة لا تطالب بحقها مقتنعة، باستثناء نسبة قليلة في المجتمع بدأت تظهر مؤخرا في بعض الطبقات الواعية.
فالمرأة تعيد إنتاج المفاهيم السائدة نفسها على أولادها و بناتها بدءا من الكلمات التي تتردد على مسامع الإناث منذ الولادة و ذلك يعود لجهل المرأة بحقوقها الشرعية و القانونية و ترسيخ هذه المعتقدات في عقول الذكور و الإناث معا، و هذا يتطلب عملا مجتمعيا مدنيا، وتشير باسمة عقباني إلى أهمية وجود جمعيات لتغير هذه الأعراف الظالمة للمرأة، ولتنشر الوعي في المجتمع وتعرف بالحقوق والواجبات رجالاً و نساءً، "وجود هذه الجمعيات متعلق بالحريات العامة في البلد التي تعيق مسائل التنمية فلا يمكن تطوير المجتمع بدون وجود جمعيات أهلية بهذا الخصوص".
و لكن في ظل الصعوبات التي يواجهها العمل الاجتماعي في صلبه كتغير معتقدات مجتمع و نشر الوعي فيه من جهة و العراقيل الحكومية التي تواجه تأسيس جمعيات كهذه في البلد من جهة أخرى يجعل الحلول بعيدة المدى و صعبة المنال.
و الحل يكون بإيجاد قوانين مدنية تنصف المرأة و تساويها مع الرجل، و تخلصها من هذا الظلم الاجتماعي، و هذا ما أشار إليه عزام " أدعو لتغيير قانون الأحوال الشخصية بحيث يشمل طائفة الدروز مع الطوائف الإسلامية في سورية بحيث يكون القانون واحدا، و مع إيماني بضرورة فصل الدين عن الدولة، فأنا أعلم أن هذا الأمر غير متوفر في المرحلة الراهنة" .
حرمان المرأة من الميراث ظاهرة ليست مقتصرة على محافظة السويداء بل هذا حال كل الأعراف السورية المجحفة بحق المرأة التي تحرمها من الإرث أو تعتبرها نصف وارث والتي يسندها ويدعمها القانون، فتحرر المرأة برأي يبدأ من التوريث العادل لها مناصفة بين الذكور والإناث لأنه الحصانة الأولى للمرأة من سيطرة الزوج والأخ وكل الأوصياء والأولياء لتعيش حياتها بكرامتها بدون ذل وخضوع.
يبقى السؤال هل يا ترى تغير مثل هذه المعتقدات والأعراف بالأمر السهل؟ أم أنه كما يقول تيري إيجلتون في كتابه فكرة الثقافة (أن بعض الأهواء أو الآراء الثقافية المسبقة تبدو أشدَ تشبًثاً وعناداً من اللبلاب أو البرنقيل(1) على الأقل. وتغير ثقافة كاملة يقتضي من الجهد قدراً يفوق بكثير ما يقتضيه كبح جماح نهر أو إزالة جبل؟).
فريدة البنت الكبرى بين أولاد أبي حسين، تجاوزت السبعين عاماً، تعيش اليوم على صدقة المحسنين، بعد أن نسيها أو تناساها أشقاؤها الذكور وأولادهم، حين أخذ كل منهم حصته الوفيرة من ورثة أبيها، ليعيشوا في منازلهم الكبيرة، وتعيش هي في مكان بالكاد يسمى غرفة.
شقاء فريدة واحدة من شقاء الكثيرات في محافظة السويداء، حيث يولد الذكور هناك من طبقة، وتولد الإناث من طبقة أخرى، ليكونوا هم الوارثين الشرعيين للعائلة، أما هن فيوصى لهن بغرفة للمقاطيع، والتي غالباً ما تكون أصغر الغرف وأقدمها. وفي حال كان الأب كريماً يوصي لهن بقبو في الدار، وهو ليس ملك لهن على أية حال بل مسكن مؤقت، حتى يأخذ الله أمانته على الأرض ثم يرجع للعصب الذكر حامل اسم العائلة وحامي شرفها.
هل تذكر أبو حسين فريدة و أخواتها حين كتب وصيته الأخيرة؟
هل كان يعرف ما مصيرهن في الحياة بعد وفاته، وأي قدر سوف ينتهين إليه، عندما أوصى لهن بغرفة للمقاطيع وأوصى لأولاده الذكور بكل ثروته؟
"المقطوعة" كغيرها من نعوت المرأة التي قد تختلف بالمعنى ويبقى المنطق نفسه الذي يدينها ويهمش قدراتها وإمكاناتها، وتعني المرأة التي انقطعت من الرجال إن لم تتزوج أو مطلقة أو أرملة.
حكايات متكررة
سمية امرأة مطلقة في الستين من عمرها من مدينة السويداء تعيش مع أختيها اللتين لم تتزوجا، تقول إن والدهن لم يوص لهن إلا بمسكن للمقاطيع، وهو عبارة عن غرفة ومطبخ صغير في القبو وقد ورث أخوهم الوحيد أراضي عدة، ومنزلا كبيرا بطابقين يعيش فيه مع زوجته وأولاده، وتبقى مضافته مفتوحة يقيم الولائم، ويمارس دوره الذكوري في المجتمع، ناسياً أخواته المسنات اللائي يقطن في أسفل البيت الكبير.
إن معاناة سمية وأختيها لا تقتصر على الحاجة المادية فحسب، بل تتعدى ذلك، ليصبح العوز المادي لا شيء أمام ذلك الغول الذي يسمى الذل، يرافقهن منذ الطفولة إن تزوجن أو بقين في الدار كأنه قدر لا مهرب منه، وكأنهن عبء وعالة على الحياة .
هدى الخمسينية من مدينة شهبا بقيت طوال حياتها بجانب والديها، فبقاؤها دون زواج جعلها ملازمة لهما منذ طفولتها إلى عجزهما، ومن ثم وفاتهما، لم تكن تعلم أن مصيرها سينتهي في غرفة موحشة تحت اسم غرفة للمقاطيع في وصية الأب الأخيرة، الذي وزع كل أملاكه بالتساوي بين أولاده الذكور تاركاً ابنته لإحسان أشقائها وزوجاتهم. تشعر هدى بالذل حين تطلب مصروفها الشخصي من أخوتها الذين ورثوا البيوت والمحلات التجارية والأراضي من والدها. وتقول "لم أفكر يوماً بنفسي، بل عشت لغيري".
الجدير بالذكر أن حالات فريدة وسمية وهدى ليست الحالات الاستثنائية في المحافظة، بل هي الحالة شبه العامة، فلماذا هذا الإجماع الواسع على حرمان المرأة من ميراثها؟ و لماذا لا يتذكرون المرأة في وصاياهم إلا بهذه العبارة المذلة لها؟
من وجهة النظر الدينية يقول الشيخ إبراهيم أبو عسلي أحد شيوخ الطائفة الدرزية " المرأة هي العمود الفقري للكون وهي التي تُجلس المجتمع أو تخلخله وعدم توريث المرأة خطأ فادح وجهل بالدين لأن التعاليم الدينية تدعو إلى العدالة والمساواة بين الرجل المرأة التي هي كرامة العائلة فكيف تحرم من حقوقها المادية لتصبح عرضة للاستغلال والاضطهاد وأنا أدعو جميع الآباء إلى توريث الإناث قبل الذكور ليصونون بناتهم من أي سوء"
فالوصية مقدسة في المذهب وما نحتاج إليه هو المجتمع بالتعاون مع رجال الدين. و يضيف الشيخ إبراهيم "أدعو لجعل نصيب الأنثى كنصيب الذكر بالإرث في القانون السوري وأنا بدأت من نفسي وأورثت بناتي بالتساوي مع أخيهن."
بيت المقاطيع عبارة مهينة لشخصية المرأة و مهامها الحقيقية
يقول الروائي ممدوح عزام "إن عبارة غرفة أو بيت المقاطيع هي عبارة مهينة لشخصية المرأة ودورها في المجتمع ومهامها الحقيقية التي تقوم بها بصرف النظر عن رأي الرجال، هي عبارة ذكورية ترى المرأة ضلعا قاصرا دون أن تنتبه أن هذه المرأة أم أولاً وزوجة شريكة وأخت غالية".
فالأثر السيئ الذي تتركه الوصية التي تحرم البنات أنها تترك المرأة عرضة للإذلال، خاصة أن نسبة كبيرة من النساء لا يعملن، أي ليس لديهن مورد يعشن منه فيما لو حرمن من الزوج (أرملة أو مطلقة) أو إذا بقين بلا زواج.
ويرى عزام أن الوصية تعبير عن مجتمع ظالم يرى في الرزق وحده إرادة إنسانية و يحول هذا الرزق إلى وسيلة لقهر المرأة واضطهادها. فيما يجب أن يكون، في حال توفره، وسيلة لحماية المرأة ما دمنا نتحدث عن امرأة تحتاج إليه في لحظات وحدتها، عجزها، بسبب أن المجتمع حرمها ذات يوم من أن تتعلم و تعمل و تنتج، كي تصبح قادرة على الاستقلال المادي الذي يحميها من أن يتحكم الرجال بوصاياهم المجحفة بعيشها و كرامتها.
الناشطة الاجتماعية باسمة العقباني وهي عضو في رابطة النساء السوريات حدثتنا في البداية عن تجربتها الشخصية كامرأة فقالت: في المحافظة "هناك شعور كان يلازمني دائماً منذ الطفولة، كنت أشعر أنني زائدة في عائلة أهلي وأنني عبء ثقيل عليهم، مع أني كنت أعمل في الحقل مع والدي، أذكر أنني كنت أستيقظ في الثالثة صباحاً لأحصد و"أرجد" ثم أعود بعد يوم شاق في الحقل لأغسل وأنظف المنزل وألبي أوامر أخوتي الذكور بكل طيبة خاطر ورضا و كنت أعتقد أن هذا واجبي اتجاه أسرتي ".
فمعظم نساء المحافظة عشن تجارب مشابهة، وعلى الرغم من مساهمة الإناث في اقتصاد العائلة، إلا أنهن لا يرثن شيئا، فهذا هو العرف السائد في المحافظة، ليصبح الزواج هو الخلاص الوحيد لكل فتاة.
الغريب في الأمر هو هذا التناقض الكبير في معاملة المرأة في ثقافتنا الذكورية التي تعتبرها من جهة ضعيفة وضلعا قاصرا وبحاجة لولي ووصي عليها، ومن جهة أخرى تترك بدون أي حصانة مادية، وهكذا فإن كفة الميزان راجحة دائما لصالح الذكر.
نساء بين الخوف و المواجهة
سميرة 56 عاما امرأة مطلقة تعيش في غرفة مستأجرة في مدينة السويداء، تقول أن والدها توفي وهو شاب ولم يكتب وصيته، وفي هذه الحالة حسب القانون تقسم التركة بين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكنها تنازلت هي وأخواتها عن ميراثهن لأشقائهن خوفاً من نظرة المجتمع لهن والعداوات مع الأهل، وتقول "لا أريد أن أخسر أخوتي من أجل الورثة". ليفرض العرف ضغوطاً عليها يصعب تجاوزها كي لا تعتبر ناشزا عن مجتمعها.
في حين طالبت أم شادي وهي امرأة متزوجة في عقدها السادس بحصتها من تركة والدها الذي رحل دون أن يكتب وصيته، تقول أنها واجهت هي وأخواتها صعوبات عدة، فأشقاؤهن الذكور حاولوا إقناعهن بالتنازل بشتى الطرق، إلا أنهن في النهاية حصلن على حقوقهن بالقانون وتقول " على المرأة أن تعرف أن هذا حقها وليس صدقة من الأهل أو الأخوة".
أما من الناحية القانونية يوضح المحامي نبيل ضو الإرث في المذهب الدرزي، فيقول: هناك حالتان:
أولاً- في حال وجود وصية يؤخذ فيها إذا كانت الوصية ثابتة وصحيحة وتطبق بدقة حتى لو أوصى الموصي بكل أملاكه لبناته، ولكن معظم الوصايا تحرم البنات من الإرث، فقط يوصي لهن بغرفة أو بيت للمقاطيع مع أن هذه الكلمة منافية للنظام العام ولا يقبلها القاضي.
هذا ما يختلف فيه المذهب الدرزي عن الشريعة الإسلامية حيث لا وصية لوارث حسب المادة 307 التي تحدد الأحكام الخاصة بالطائفة الدرزية المختلفة عن الشريعة الإسلامية المتعلقة بأمور الزواج والطلاق والإرث.
المادة 307( فقرة ح- لا يعتبر بالنسبة للطائفة الدرزية ما يخالف حكم : تنفذ الوصية للوارث ولغيره بالثلث وبأكثر منه).
ثانياً- في حال عدم وجود وصية يطبق الشرع الإسلامي (للذكر مثل حظ الأنثيين) وفي هذه الحالة غالباً ما يضغط على المرأة من قبل أخوتها الذكور للتنازل عن حصتها أو إرضائها بالشيء القليل، و يقول ضو "قد يصل الأمر لتهديد المرأة بالقتل من قبل أشقائها الذكور إذا لم تتنازل عن حقها، لا يوجد في قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالمذهب الدرزي ما يحرم المرأة من الإرث وعدم توريث المرأة في المحافظة هو موضوع متعلق بالأعرف والتقاليد خارج عن القانون": فحرمان المرأة من الميراث خارج عن الدين و القانون، وهو مرتبط بالتركيبة التاريخية للمجتمع في ظل السيطرة الذكورية، التي تغيب دور المرأة و وتعاملها على أنها تابعة لأهلها أو لزوجها، و ليس كإنسانة مستقلة لها حقها في الإرث مثلها مثل الذكر.
وجود الجمعيات متعلق بالحريات العامة بالبلد
أبو تيسير ذو السبعين عاماً من قرية الكفر، لم يورث بناته شيئاً سوى غرفة للمقاطيع يقول "البنت حنوني و دايمة لأهلها بس الرزق لازم يروح للعصب حرام يروح للغريب (أي زوج البنت و أولادها) والأرض حرام تروح لعائلات أخرى" ويضيف إذا انقطعت البنت من الرجال لها أخوتها الذكور ليصونوا كرامتها ويعيشوها عيشة كريمة فمن وجهة نظره أنه لا يمكن للمرأة أن تعيش بدون وصي عليها وأن هذه عاداتنا وتقاليدنا، فالعائلات لا تفضل تمزيق الثروة ونقلها إلى أسرة أخرى .
وزوجته أم تيسير تؤيده في الرأي "أولاد ابنك إلك وأولاد بنتك للغريب" و تعتقد أنه لا يجوز للمرأة أن تأخذ من حصص إخوتها فهي لم ترث من عند أهلها ولكن بالمقابل أهل زوجها ورثوا الذكور دون الإناث، وهذا عدل برأيها لأن المرأة تتبع زوجها.
و هناك نسبة كبيرة من النساء في المحافظة تشاركن أم تيسير الرأي و يعتقدن أن ورثة أبيهن ليست من حقهن، فالمرأة لا تطالب بحقها مقتنعة، باستثناء نسبة قليلة في المجتمع بدأت تظهر مؤخرا في بعض الطبقات الواعية.
فالمرأة تعيد إنتاج المفاهيم السائدة نفسها على أولادها و بناتها بدءا من الكلمات التي تتردد على مسامع الإناث منذ الولادة و ذلك يعود لجهل المرأة بحقوقها الشرعية و القانونية و ترسيخ هذه المعتقدات في عقول الذكور و الإناث معا، و هذا يتطلب عملا مجتمعيا مدنيا، وتشير باسمة عقباني إلى أهمية وجود جمعيات لتغير هذه الأعراف الظالمة للمرأة، ولتنشر الوعي في المجتمع وتعرف بالحقوق والواجبات رجالاً و نساءً، "وجود هذه الجمعيات متعلق بالحريات العامة في البلد التي تعيق مسائل التنمية فلا يمكن تطوير المجتمع بدون وجود جمعيات أهلية بهذا الخصوص".
و لكن في ظل الصعوبات التي يواجهها العمل الاجتماعي في صلبه كتغير معتقدات مجتمع و نشر الوعي فيه من جهة و العراقيل الحكومية التي تواجه تأسيس جمعيات كهذه في البلد من جهة أخرى يجعل الحلول بعيدة المدى و صعبة المنال.
و الحل يكون بإيجاد قوانين مدنية تنصف المرأة و تساويها مع الرجل، و تخلصها من هذا الظلم الاجتماعي، و هذا ما أشار إليه عزام " أدعو لتغيير قانون الأحوال الشخصية بحيث يشمل طائفة الدروز مع الطوائف الإسلامية في سورية بحيث يكون القانون واحدا، و مع إيماني بضرورة فصل الدين عن الدولة، فأنا أعلم أن هذا الأمر غير متوفر في المرحلة الراهنة" .
حرمان المرأة من الميراث ظاهرة ليست مقتصرة على محافظة السويداء بل هذا حال كل الأعراف السورية المجحفة بحق المرأة التي تحرمها من الإرث أو تعتبرها نصف وارث والتي يسندها ويدعمها القانون، فتحرر المرأة برأي يبدأ من التوريث العادل لها مناصفة بين الذكور والإناث لأنه الحصانة الأولى للمرأة من سيطرة الزوج والأخ وكل الأوصياء والأولياء لتعيش حياتها بكرامتها بدون ذل وخضوع.
يبقى السؤال هل يا ترى تغير مثل هذه المعتقدات والأعراف بالأمر السهل؟ أم أنه كما يقول تيري إيجلتون في كتابه فكرة الثقافة (أن بعض الأهواء أو الآراء الثقافية المسبقة تبدو أشدَ تشبًثاً وعناداً من اللبلاب أو البرنقيل(1) على الأقل. وتغير ثقافة كاملة يقتضي من الجهد قدراً يفوق بكثير ما يقتضيه كبح جماح نهر أو إزالة جبل؟).
السبت يناير 15, 2011 3:04 am من طرف غسان أبوراس
» هكذا فصولكِ الاربعه
الجمعة ديسمبر 31, 2010 1:22 pm من طرف عاشقة الورد
» كل الشكر للوموي
الأربعاء يوليو 28, 2010 4:06 pm من طرف الوموي
» اتمنى ان اتعرف عليكم
الثلاثاء يوليو 27, 2010 7:01 pm من طرف وسيم ابوكرم
» عاطف دنون الحمدلله على السلامه
الثلاثاء يوليو 27, 2010 6:32 pm من طرف وسيم ابوكرم
» كلمة شكر
الأحد يوليو 11, 2010 1:11 am من طرف ابوعمر
» ايها المغتربون استمتعو حيث انتم
الأربعاء يوليو 07, 2010 7:55 pm من طرف ابو يوسف
» خربشات إمرأة...ا
الخميس يوليو 01, 2010 1:31 am من طرف غسان أبوراس
» سويداء الوطن ... يرى النور
الثلاثاء يونيو 29, 2010 12:01 pm من طرف سيسو
» اعتذار عن خلل فني
السبت يونيو 12, 2010 7:32 pm من طرف الوموي
» هل نستطيع سلق بيضه بالموبايل
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:34 am من طرف الوموي
» صور لا تراها إلاّ في مصر
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:21 am من طرف الوموي
» نطرح للنقاش : ماذا تفعل عندما تشتاق لاشخاص لم يعد لهم وجود في حياتك
الإثنين مايو 31, 2010 9:43 am من طرف عماد أبو لطيف
» عذرا انه حلم
الإثنين مايو 31, 2010 9:30 am من طرف عماد أبو لطيف
» عذب الكلام
الخميس مايو 27, 2010 7:33 am من طرف عنب الجبل
» عمل تخريبي في أحد الأراضي المزروعة تفاح في بقعاثا
الأربعاء مايو 26, 2010 10:44 pm من طرف عفاف
» اخراج ... ابو عجاج
الأربعاء مايو 26, 2010 5:23 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» Q & A
الأربعاء مايو 26, 2010 5:10 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» مني مثل ومنك مثل..
الأربعاء مايو 26, 2010 4:53 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» لنبق متألقين دوماً
الثلاثاء مايو 25, 2010 10:50 am من طرف غسان أبوراس