قلبي على ولدي انفطَر .. وقلب ولدي على حجر
بقلم عماد بلان
أبو عمر " رجل في الخمسين من عمره ، عاقل متزن ، اختبر الحياة بحلوها ومرها ، واستفاد من تجاربها بحكمة و وعي ، حتى جمع ثروة غير قليلة من المال والعقارات والأراضي ، توفيت زوجته الشابة إثر مرض عُضال وتركَت له " عمر " ابنهما الوحيد الذي ما تجاوز آنذاك الثانية عشر من عمره ، كان أبو عمر يحترم زوجته ويحبها ويعمل بإخلاص على إسعادها ، وبعد وفاتها قرر ألا يتزوج ثانية محافظاً على وعد ٍ قطعه على نفسه ، ومكرساً ما بقي من عمره لرعاية وحيده " عمَر " وتعليمه ليصل به إلى أعلى المراتب ..
.. انصرف الأب النشيط الطموح إلى أعماله ، بينما بدأ الفتى اليافع يشعر بالوحدة بعد وفاة أمه وإنشغال أبيه ، فأخذ يقضي أوقاته في النادي المجاور لمنزله العامر الواسع والأنيق بين مجموعة من أقرانه من فتيان اعتادوا زيارة ذلك النادي ، وهم من مختلف المستويات الاجتماعية والتربوية ، وقد تميَّز " عمر " بينهم بمظاهر الأناقة والثراء ، وهكذا أصدقاء لا بد وأن يكون بينهم رفاق سوء أخذوا يستدرجون الفتى إلى قضاء الأوقات خارج بيته في أماكن عامة حيث لا مهرب فيها من هدر الوقت والمال بلا فائدة تُرتَجى ، واتسع نطاق الفوضى والتسيب والانفلات لدى الفتى " عمر " إلى الحد الذي واجه فيه الطرد من المدرسة بتهمة التدخين وتعاطي المشروبات الكحولية بين أسوارها .
.. انتبه الوالد متأخراً للسلوك الشاذ لوحيده ، فحاول كَبحَ جماح ابنه خلف رفاقه الذين أخذوا ينتشرون حوله طمعاً بأمواله التي كانت تتوافر بين يديه من قبضه لإيجارات العقارات التي يملكها أبوه وهذا بدوره كان يكتفي بالتأنيب الرقيق لوحيده الذي احتل قلبَ والده وسيطر على علاقته به تمهيداً لابتزازه كلما حانت له الفرصة لذلك .
.. ودارت الأيام والسنون ، وشبَّ " عمر " خلالها ليصبح شاباً يعب ُّ من بحور الحياة ما لذ َّ منها وما طاب طوال ساعات النهار وحتى ما بعد منتصف الليل ، يمضي وقتَه في علب الليل الصاخبة الموبوءة مع فتيات الليل بين الخمور والمخدرات .. تاركاً أباه الذي اجتاحَت جسده علامات المرض من شدة قلقه وخوفه على مستقبل ابنه العاق والضال .. حتى سقط الوالد المسكين طريح الفراش صريع الشلل الذي أقعَده عن متابعة أعماله ، الأمر الذي قلَّص مدخولاته المالية تدريجياً ، ولم يعبأ " عمر " بالحالة التي وصل إليها أبوه المُقعَد ، وما اكترثَ بتدني الوضع المادي ، واستمر في لهوه وتبذيره دون حساب ، حتى تراكمت الديون عليه ، وأخذ الدائنون يلاحقونه ليل نهار بشتى وسائل التهديد والوعيد ، أو من خلال القضايا القانونية التي رُفِعت ضدَّه .
.. فهل اتَّعَظ " عمر " و اهتدى ؟ لا !! بل انغمس في تعاطي المخدرات ومعاقرة الخمرة اللعينة ، بدا وكأنه في طريقه للانتحار البطئ عندما بات يتخذ من صالات القمار وحجرات الرذيلة بيتاً بديلاً عن بيته ، و لم تشفع عنده توسلات أبيه كي يعود للعقل والهدى ، فكان يترك أباه في صراعه مع الآلام وحيداً في البيت لأيام طويلة ، عاجزاً عن خدمة نفسه بنفسه ومحتاجاً إلى من يعينه على رشفة ماء أو قضاء حاجة مُلحَّة ، وبعد غيبة لأكثر من أسبوعين ، يعود " عمر " إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل ثملاً وقد نالت منه الخمرة ، ليعلم من حارس الحي أنه أباه .. قد توفي قبل أيام !! بعد أن اشتدت عليه ليلاً آلام الذبحة الصدرية ، فزحف من غرفة نومه نحو باب المنزل التماساً لمعين ينقله إلى المشفى ، إلا أن رحمة المولى تعالى كانت أسرع .. فقد شوهِدَ متكوماً بلا حراك خلف الباب بعد ساعات طويلة من وفاته .. هكذا أبلغ عنه عامل القمامة الذي اعتاد المرور كل صباح لجمع قمامة المنزل الكئيب .
.. و من صندوق متواضع ، فض َّ " عمر " مغلفاً انطوت فيه وصية الأب الراحل حيث كتب له فيها :
( .. ولدي الحبيب ، لطالما بذلتُ في إصلاحكَ ، فما استطعتُ ، وها أنا أودع الحياة الدنيا وقلبي المكلوم يقطر دماً على ما أنتَ فيه من ضياع وضلال ، أما وإن ضاقت بكَ الدنيا .. وادلَهمت عليك الليالي ، وما بقي لكَ من باب للخلاص إلا الموت ، فوصيتي لكَ أن تسارع وتربط عنقك بحبل ٍ موصول بالثريا المعلقة في غرفة نومكَ .. فالموت عندئذ قد يكون أفضل لكَ من حياة لا كرامة فيها .. ) !
.. وبالفعل ، فقد اسودَّت الأيام في وجه " عمر " فلجأ إلى بيع أملاكه التي ورثها عن أبيه الراحل ، وما بقي
سوى المنزل المرهون لصالح الدائنين الذين أمهلوه حتى يوم الغد للسداد ، وإلا فالحجز والبيع بالمزاد العلني سيكون مصير بيته .. مأواه الأخير !! عندئذ تذكر " عمر " وصية أبيه ، فأسرع إلى غرفة نومه ، وأخذ يتأمل الثريا المعلقة في سقفها.. كانت ثريا قديمة بعدد سنوات عمره الثلاثين، وله معها ذكريات مذ كان طفلاً .. وما طالت تأملات الشاب المُقبل على الانتحار شنقاً فسارع إلى ربط حبل متين في قاعدة الثريا المعلقة في السقف وانتصب واقفاً على الكرسي ولف َّ الحبل حول عنقه ، وقبلَ أن ينطق بالشهادتين ، استغفر ربَّه ، وترحَّم على أبيه وأمه ، ثم أغمض عينيه ودفع بالكرسي من تحت قدميه ليتدلَّى مشنوقاً .. إلا أن رحمة المولى كانت أوسع .. فقد انفلتت الثريا بأكملها من عقالها وانقطع وثاقها فسقطت .. وسقط معها " عمر " أرضاً .. وما عاد إلى وعيه بعد برهة وجيزة إلا على صوت انفراط كمية كبيرة من ليرات ذهبية كانت محفوظة داخل صندوق القاعدة المقعرة للثريا !! ومن بين الليرات الذهبية ، وقع بصره على قصاصة من ورق كُتِبَ عليها بخط أبيه :
( .. هذا من نصيبكَ يا ولدي إن نفَّذتَ وصيتي ، حين لا تجد لكَ نصيباً في دنياك ) .
السبت يناير 15, 2011 3:04 am من طرف غسان أبوراس
» هكذا فصولكِ الاربعه
الجمعة ديسمبر 31, 2010 1:22 pm من طرف عاشقة الورد
» كل الشكر للوموي
الأربعاء يوليو 28, 2010 4:06 pm من طرف الوموي
» اتمنى ان اتعرف عليكم
الثلاثاء يوليو 27, 2010 7:01 pm من طرف وسيم ابوكرم
» عاطف دنون الحمدلله على السلامه
الثلاثاء يوليو 27, 2010 6:32 pm من طرف وسيم ابوكرم
» كلمة شكر
الأحد يوليو 11, 2010 1:11 am من طرف ابوعمر
» ايها المغتربون استمتعو حيث انتم
الأربعاء يوليو 07, 2010 7:55 pm من طرف ابو يوسف
» خربشات إمرأة...ا
الخميس يوليو 01, 2010 1:31 am من طرف غسان أبوراس
» سويداء الوطن ... يرى النور
الثلاثاء يونيو 29, 2010 12:01 pm من طرف سيسو
» اعتذار عن خلل فني
السبت يونيو 12, 2010 7:32 pm من طرف الوموي
» هل نستطيع سلق بيضه بالموبايل
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:34 am من طرف الوموي
» صور لا تراها إلاّ في مصر
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:21 am من طرف الوموي
» نطرح للنقاش : ماذا تفعل عندما تشتاق لاشخاص لم يعد لهم وجود في حياتك
الإثنين مايو 31, 2010 9:43 am من طرف عماد أبو لطيف
» عذرا انه حلم
الإثنين مايو 31, 2010 9:30 am من طرف عماد أبو لطيف
» عذب الكلام
الخميس مايو 27, 2010 7:33 am من طرف عنب الجبل
» عمل تخريبي في أحد الأراضي المزروعة تفاح في بقعاثا
الأربعاء مايو 26, 2010 10:44 pm من طرف عفاف
» اخراج ... ابو عجاج
الأربعاء مايو 26, 2010 5:23 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» Q & A
الأربعاء مايو 26, 2010 5:10 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» مني مثل ومنك مثل..
الأربعاء مايو 26, 2010 4:53 pm من طرف سيف بن ذي يزن
» لنبق متألقين دوماً
الثلاثاء مايو 25, 2010 10:50 am من طرف غسان أبوراس